اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


محاولة إلغاء لبنان... لعبة قديمة جديدة

لقد شهد لبنان خلال القرن الأخير تحدّيات عديدة وصعوبات كبيرة وحروبا مدمرة وازمات اجتماعية واقتصادية وسياسية وتعرّض لاعتداءات كثيرة من محيطه، الذي ما ضمر له الا الشرور عبر التاريخ. وأكثر من ذلك لقد حاولوا الغاء لبنان عبر الاستيلاء عليه وضمه والغاء دوره، وعندما فشلوا بدأت حروب تصغيره وتحجيمه في المنطقة عبر زرع الفتنة والفرقة بين عائلاته الروحية المكونة له، والتي هي بحد ذاتها نموذج متقدم في هذه المنطقة، وبالأخص على حدود الكيان الاسرائيلي الذي يعمل ليل نهار على تفتيت المنطقة الى دويلات صغيرة مذهبية تعمل على حماية نفسها غافلة عن القضية الأم في هذه المنطقة وهي القضية الفلسطينية. إذا الغاء دور لبنان في المنطقة وتقسيمه قصة قديمة جديدة ما انفك الاشرار على حدوده عن صياغتها وتنفيذ سيناريوهاتها بكل الوسائل.

تتجلى محاولة الغاء لبنان في الدعوات لتقسيم البلاد إلى أقاليم أو وحدات صغيرة، وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى انقسام البلاد وتفتت وحدتها الوطنية. وقد تكون هذه الدعوات مدفوعة بمصالح شخصية أو سياسية، وليست بالضرورة تعبر عن رغبة الشعب اللبناني بأن يتم تقسيم بلادهم، فالعائلات الروحية بأغلبيتها الساحقة تريد وطنا موحدا بحدوده النهائية.

بدأت مرحلة الهدم الخطرة عند اتخاذ قرار الدولة استيعاب المليشيات في بدايات التسعينات من القرن الماضي. فبدلا من أن نجعل من ميليشيات الزمن السيئ مواطنين صالحين (بشرا)، انقلب السحر على الساحر واصبحت الدولة مرتعا للميليشيات وكبر اخطبوطتها ونما شرها في كل مفاصل الدولة (المعترة). وهنا يصح القول إن الدولة قد "تمليشت" بالكامل على ايادي امراء الحرب.

استمر الانهيار عبر تطبيق دستور هجين، نختلف على تطبيق مواده عند أي مفرق طريق، فالمحاصصة وتوزيع الجبنة هما سيّدا الموقف وتفسيره اصبح معضلة عجز عنها خبراء الدستور. دستور لا يصلح لبناء دولة نموذجية، وهذا كان مقصودا في البدء للإبقاء على واص دولي خبيث، يلعب دور ابو ملحم، لكنه يضمر الشر ويعمل على الغاء لبنان عبر الهيمنة عليه والغاء دوره السياسي الريادي في المنطقة.

تعتبر محاولات إلغاء لبنان جزءا من اتجاهات سياسية واجتماعية تسعى إلى تقويض النظام القائم وإثارة الفوضى والانقسام بين أبناء الشعب اللبناني. وقد شهدت البلاد عمليات تخريب وتدمير تسببت بالموت للكثيرين من ابنائها وإلحاق أضرار بالممتلكات العامة والخاصة وقد تكرر هذا الأمر مرارا وقد تجلى فيما بعد بتخريب وسط المدينة وجعلها مهجورة لا حياة فيها. فالثورة السلمية التي بدأت في ١٧ تشرين الاول من العام ٢٠١٩ ما لبثت أن لبست ثوبها الميليشياوي وكشرت عن انيابها الجائعة وكشفت عن اهدافها الخبيثة لتلتحق بزعران الماضي الأليم.

على الرغم من تلك المحاولات المتكررة، فإن شعب لبنان الأصيل المتشبث بأرض اجداده، استطاع أن يظل ثابتا ووفيا لوطنه ولقيم الوحدة والتسامح والتعايش السلمي. فاصحاب الشر سيهزمون، اما اصحاب الارادة القوية وأصحاب الضمير الحي فسينتصرون. هؤلاء هم المواطنون الصالحون حاملو مشروع بناء الدولة القوية المرتكزة على المشاركة وعدم المحاصصة وعلى حماية كل لبنان وعدم التفرد بمصيره وعدم الارتهان لأي دولة قريبة كانت او بعيدة.

إن إلغاء لبنان يشكل تهديدا خطرا لاستقرار الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل عام، فهو يعتبر نموذجا للتعايش بين الأديان والثقافات والانتماءات السياسية المختلفة. ولذلك، يجب على جميع القوى السياسية والاجتماعية داخل لبنان وخارجه أن تتجنب التصعيد وتعزز الحوار والتفاهم لحل الأزمات والنزاعات بشكل سلمي وبناء ويجب على الجميع أن يعملوا على دعم استقرار لبنان وحكومته وشعبه من خلال تعزيز التعاون والتضامن والعمل المشترك لمحاربة الفساد وتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان.

إن محاولة الغاء لبنان لن تنجح ما دام اللبنانيون موحدين ومتحدين في وجه التحديات التي تواجههم. لذا، يجب على الجميع أن يعملوا معاً لحماية وحدة لبنان وسيادته، وتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان بدلا من التفرقة والانقسام. إن الوحدة والتضامن بين اللبنانيين هما السبيل الوحيد لبناء مستقبل أفضل لهم ولأجيالهم القادمة، ومن أجل ذلك يجب التصدي بقوة لمحاولات الافتراق والتفتيت التي قد تعصف بوحدة البلاد.

إلغاء لبنان أمر لا يمكن ان يحصل ما دام هناك مواطنون صالحون يحافظون عليه برموش عيونهم ، فهو ليس مجرد دولة على الخريطة، بل هو مجتمع متنوع وحضاري ذو تاريخ غني وثقافة فريدة. يعيش فيه مسلمون ومسيحيون ودروز جنبا إلى جنب، وتتلاقى فيه الثقافات واللغات والتقاليد. إن لبنان ليس بلدا كباقي البلاد، بل هو رمز للتنوع والتسامح والتعايش واكثر، هو رسالة في هذا الشرق المضطرب.

لا خوف على لبنان من الزوال لطالما هو موطئ اقدام القديسين الابرار!

الأكثر قراءة

عرب الطناجر...